الحمد لله رب العالمين، خلق الإنسان، وكرمه وميزه بالعقل والتفكير. في هذا الزمان الذي أصبح العالم فيه قرية صغيرة، تظهر قضايا مهمة تحتاج إلى وقفات ودراسات لتحديد المقاصد والمنطلقات والوسائل والغايات والمآلات، حتى تتضح الرؤية، ويزول اللبس عن الأذهان والأفكار.
“التجديد في اللغة العربيَّة من أصل الفعل “تجدَّدَ” أي صار جديدًا، و” جدَّدَه” أي صيَّره جديدًا، وكذلك أجدَّه واستجدَّه، وكذلك سُمِّي كلُّ شيءٍ لم تأتِ عليه الأيَّام جديدًا، ومن خلال هذه المعاني اللغويَّة يمكن القول: إنَّ التجديد في الأصل معناه اللغويُّ يبعث في الذهن تصوُّرًا تجتمع فيه ثلاثة معانٍ متَّصلة:
- أ- أنَّ الشيء المجدَّد قد كان في أوَّل الأمر موجودًا وقائمًا وللناس به عهد.
- ب- أنَّ هذا الشيء أتت عليه الأيَّام فأصابه البِلَى وصار قديمًا.
- ت- أنَّ ذلك الشيء قد أُعيدَ إلى مثل الحالة التي كان عليها قبل أن يبلَى ويَخْلَق.
ولقد استُخدِمَتْ كلمة جديد – وليس لفظ التجديد – في القرآن الكريم بمعنى البعث والإحياء والإعادة – غالبًا للخلق – وكذلك أشارت السنَّة النبويَّة لمفهوم التجديد من خلال المعاني السابقة المتَّصلة: الخَلْق – الضعف أو الموت – الإعادة والإحياء.
وفق هذا المعنى فإنّ التّجديد الحقيقي يتضمن ما يأتي:
إعادة الرّونق لهذا الدّين العظيم: فديننا الإسلامي يحمل رسالة تبليغه إلى النّاس رجالٌ قادرون على إيصاله في أحسن صورة بامتلاكهم لمهارات الدّعوة والتّبليغ، كان r يبعثهم رسلاً إلى النّاس بقوله بشّروا ولا تنفّروا، أو نهيه الصّحابي الجليل معاذ بن جبل حينما أطال في الصّلاة بالنّاس بقوله:(يا معاذُ! أفتَّانٌ أنت؟) [صحيح أبي داود]. ورد التجديد في السنة النبوية، بمفهومٍ شرعيٍ، فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الإيمان ليَخْلَقُ في جوف أحدكم كما يَخْلَقُ الثوب، فاسألوا اللهَ أن يُجددَ الإيمانَ في قلوبكم» (رواه الطبرانى والحاكم)، وقال الهيثمي: إسناده حسن. وحسنه أيضاً العراقي، وصححه العلامة الألباني).
إن طبيعة الحياة البشريّة تتغيّر وتتطوّر باستمرار، وبالتّالي تكون الحاجة ملحّة لإعادة قراءة النّصوص الشّرعيّة بما يتلاءم مع هذه المستجدّات ووفق الأصول المعتمدة في الاجتهاد، وبعيدة عن الهوى والآراء الشّخصيّة.
إزالة ما علق بهذا الدّين العظيم من تصوّرات خاطئة: ومفاهيم مغلوطة، وتطبيقات منحرفة ليظل هذا الدّين ناصعاً بأحكامه وتشريعاته وكما أنزلت على النّبي عليه الصّلاة والسّلام.
العودة إلى الأصول وإحيائها في حياة الإنسان المسلم؛ بما يُمكِّن من إحياء ما انْدَرَسَ، وتقويم ما انحرف.
مواجهة الحوادث والوقائع المتجدِّدة، من خلال فهمها وإعادة قراءتها، تمثُّلاً للأمر الإلهيِّ المستمرِّ بالقراءة: “اقْرَأ بِاسْم رَبّكَ الَّذي خَلَقَ”.
إن التجديد الذي بشرت به الأحاديث النبوية يعني: العودة بجيل الأمة إلى موافقة هدي القرون المفضلة، في اتباع النبي r عقيدة، وشريعة، ومنهجا، وسلوكا.
وهذا يعني: التفريق بين الثوابت العقدية التي لا تقبل التشكيل أو التنازل، وبين المتغيرات التي هي مناط المرونة والتكييف.
إنها قضية تجديد الخطاب الديني أو الإسلامي. وتتأكد الحاجة إلى التأكيد على مسألة مهمة جدا، ألا وهي: العدل والوسطية والرحمة التي تميزت به شريعة الإسلام في كل زمان ومكان. واستيعابها لقضايا الاجتهاد والنوازل، فهي ليست شريعة جامدة أو أحكاما متحجرة، بل هي مرنة متجددة لا تنافي الأخذ بالتجديد في وسائل وآليات العصر والإفادة منه، والتعامل مع المعطيات والمكتسبات، والمواءمة بين الثوابت، والمتغيرات، والآصال، والمعاصرة.
خلق الله سبحانه وتعالى الخلق ووهبهم العقول، ووهبها خاصية استحسان الحسن واستقباح القبيح، ولا يشك عاقل أن من الأمور مالا يمكن للأفراد من الخلق إدراك الحكمة والوسطية فيه، خاصة فيما يتعلق بالمستجدات والنوازل الكبرى، فكان لزاما الرجوع إلى الشارع الحكيم في ذلك.
لتحميل البحث اضغط هنا

