الحمد لله رب العالمين القائل: ﴿لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ۚ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: 172]، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وخاتمهم، الذي بشر به رسول بني إسرائيل، عيسى بن مريم عليهما السلام، وعلى آله وصحبه وسلم وبعد،
فأرسل الله عيسى ين مريم u إلى بني إسرائيل مصدقا لما بين يديه من التوراة داعيا إلى عبادة الله وحده، فالنبي عيسى u هو آخر الأنبياء قبل نبينا محمّد ﷺ.
وصرح المسيح في العديد من الأناجيل التي يؤمن بها النصارى اليوم بأنه عبد، يعمل بإرادة سيده، ففي إنجيل يوحنا: “اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ” يوحنا 16:13
ولكن النصارى انحرفوا عن هذا المفهوم، فزعموا أن عيسى هو الله، وابن الله، وهو أحد الآلهة الثلاثة: الله وعيسى وروح القدس، والتي تُكوّن في مجموعها الله. في عقيدة يصعب فهمها، حيث لا يوجد أي نص على لسان عيسى u يدّعي فيه الألوهية، أو أنه طلب من الناس أن يعبدوه.
ويؤمن النصارى أن عيسى صُلِب ليكفِّر عن الخطيئة التي ارتكبها آدم، إذ عصى ربه وأكل من الشجرة، والتي انتقلتْ بطريق الوراثة إلى جميع نسله، وافتداهم المسيح بدمه، ودُفِن، وقام مِن قبره بعد ثلاثة أيام مِن دفنه، وهذا ما يسميه النصارى بالقيامة، ويحتفلون به في عيد يسمى: (عيد القيامة)، وظل بعد ذلك مع حوارييه وتلاميذه وأنصاره أربعين يومًا يعلمهم ويرشدهم، ثم رُفِع إلى السماء وجلس على يمين أبيه، وأنه سيتولَّى محاسبة الناس يوم القيامة وإدانتهم، ويستدلون على ذلك بنصوص عدة، منها ماورد في إنجيل يوحنا (5/26)، وغيره.: «كما أن الأب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضاً أن تكون له حياة في ذاته، وأعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً؛ لأنه ابن الإنسان».
هذا ما يعتقده النصارى في عيسى u، وقد اخترت احدى العقائد التي انحرف مفهوم النصارى فيها، بل أهم العقائد، وغاية وجود الإنسان، وأساس دعوة الرسل عليهم السلام؛ وهي تحقيق العبودية لله تعالى، والتي كان انحراف النصارى في مفهومها على نحو يصعب فهمه وفهم سببه، حيث إن النصوص الواردة في الكتاب المقدس عند النصارى بعهديه القديم والجديد تؤكد تأكيداً لا يقبل الشك مدى انحرافهم في مفهوم عبودية المسيح لله تعالى.
فالمسيح u لم يقل لتلاميذه أنه إله، بل إنه وحسب الأناجيل كان يؤكد في كل مرة أنه عبد أرسله الله تعالى إلى يني إسرائيل، بالآيات والمعجزات التي يجريها الله على يديه «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ اسْمَعُوا هذِهِ الأَقْوَالَ: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللهُ بِيَدِهِ فِي وَسْطِكُمْ، كَمَا أَنْتُمْ أَيْضًا تَعْلَمُونَ» أعمال 22:2
السؤال الذي يطرح على النصارى: إن كان عيسى ربا فلتبينوا آية واحدة، أو عبارة واحدة من الكتاب المقدس، في أي نسخة من نسخ الكتاب المقدس قال فيها عيسى إنه إله، أو قال اعبدوني؟
لم يقل عيسى في أي منها إنه مساو لله. بل إن الاستماع للوصايا والكلمات المنسوبة لعيسى u حقيقتها الإسلام والاستسلام والعبودية لله. ولهذا كان الدافع لكتابة هذا البحث في بيان أن الأناجيل أثبتت أن عيسى عبد لله تعالى ورسوله، وأنه بشر حقق العبودية الكاملة لله
وقد جعلت عنوانه: إثبات الأناجيل لعبودية المسيح u ذلك أن تقرير العبودية من أعظم العقائد، فهي غاية وجود الإنسان، وأساس دعوة الرسل عليهم السلام؛ ويتبين منه أن المسيح u عبد من عبيد الله، وليس إلها ولا ابن إله.
وقد جعلت البحث في مقدمة وتمهيد وأربعة مباحث وخاتمة على النحو التالي:
تمهيد في التعريف بالمسيح u حسب الأناجيل.
المبحث الأول: عبودية المسيح u باعتبار عبادته لله تعالى.
المبحث الثاني: عبودية المسيح u باعتبار أنه بشر وإنسان.
المبحث الثالث: عبودية المسيح u باعتبار أنه رسول.
المبحث الرابع: عبودية المسيح u باعتبار دعواهم صلبه وموته وقيامته من القبر.
وخاتمة في نتائج البحث. والله أسأل أن ينفع بهذا العمل، وأن يجعله علماً نافعاً وعملاً خالصاً متقبلاً.
لتحميل البحث اضغط هنا

