الحوار بين الأديان في ميزان الإسلام

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد،

فقد احتدم الجدل حول جدوى حوار الأديان، والتطورات المستقبلية لحوار الحضارات، وتباينت الآراء، حيث يرى فريق أن ما أدى إليه التقدم التكنولوجي من زيادة الصراعات والقوة يقتضي البحث عن سبل تنقذ البشرية من هذا الخطر، وتخفف من حدة الصراع والخلاف، وتحقيق السلام. وأن الحوار هو من أهم السبل التي يمكن أن تساعد على تحقيق ذلك.

وذهب فريق آخر إلى أنها دعوى بدعية ضالة، حملت الخبث والمكر، تحمل مصدراً مروعاً مخيفاً، ولا يجوز الاستجابة لها بحال، بل لا بد من نبذها والحذر منها وعزلها عن ديار المسلمين.

ومع تباين تلك الآراء تتضح الحاجة إلى بحث هذه المسألة، وضرورة تحقيقها ودراستها، وتقويمها في ميزان الإسلام.

إن الأحداث الخطيرة التي يحياها العالم الإسلامي، والتطورات العجيبة التي تمر بالبشرية، كل هذا ليفرض على المسلمين أن يقفوا من الإسلام موقف سلفهم الأمجاد من الدعوة إليه، والدفاع عنه، وتصحيح الأفهام وصيانته من عوامل الانحلال والهدم. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:7].

وليس المقصود في هذا السياق وصد الأبواب عن التواصل مع المحيط العالمي، والانكفاء على الذات، كلا! فالمسلمون هم أسعد الناس بالحوار والاتصال، إذ هو مقتضى دينهم، وموجب عقيدتهم: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران:110].

وإنما المراد التنبيه والتحذير من جر المسلمين إلى تصويب الأديان المحرفة والملل الوثنية، وتسويغ عقائدها وعباداتها، والتخلي عما هو معلوم من الدين بالضرورة، من كون الإسلام ناسخاً لجميع الأديان، وأن نبيه رسول الله وخاتم النبيين، وأن كتابه القرآن مهيمن على جميع الكتب.

لكل هذه الأسباب أحببت أن أكتب حول هذا الموضوع ” الحوار بين الأديان في ميزان الإسلام “، وبيان المنهج الشرعي في الحوار مع أتباع الديانات. وموازين وضوابط ذلك. وعرض كل لك على ميزان الإسلام.

ودراستي هذه تعد استكمالا لدراسات سابقة، تناولت الحديث عن الموضوع، إما باستفاضة واستطراد حسب طبيعة البحث، مثل كتاب: دعوة التقريب بين الأديان، للدكتور أحمد بن عبدالرحمن القاضي، نال بها درجة الدكتوراة في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، عام1421هـ.وقد أفدت من موضوعاته ذات العلاقة في نفس الموضوع، ولا يخفى أنه من تاريخ تأليف الرسالة إلى وتاريخ كتابة هذا البحث ما يزيد عن أربعة عشر عاما، استجدت فيها على الساحة العالمية والإعلامية والحوارية من مراكز ومؤتمرات، استدعت تسليط الضوء عليها في ثنايا هذا البحث.

وكتاب آخر أفدت منه فيما يخص التأصيل العقدي لهذه المسألة، حوار الأديان، وهو كتاب: الحوار مع أهل الكتاب أسسه ومناهجه في الكتاب والسنة، لمؤلفه: خالد ابن عبد الله القاسم. رسالة ماجستير تقدم بها لكلية التربية جامعة الملك سعود مسار العقيدة، وقد تمت مناقشة الرسالة سنة 1412هـ. وفيه تحدث عن الأسس والمناهج الصحيحة للحوار مع أهل الكتاب، والتنبيه على ضرورة تحقيق الأهداف الشرعية من الحوار معهم، وواضح من موضوعه أنه دراسة تأصيلية لمنهج التعامل مع أهل الكتاب، بخلاف ما عناه موضوع بحثي من دراسة الحوار بين الأديان قديما وحديثا وأشهر مؤتمرات الحوار حتى تاريخ كتابة هذا البحث.

وقد حرصت على تقديم دراسة مركزة، تلم بجوانب الموضوع قدر الإمكان.

وقد قسمت البحث إلى مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة على النحو الآتي: أما المقدمة فقد سبقت.

 وأما المباحث فالأول منها: حوار الأديان حقيقته وأصوله والمصطلحات المتقاربة.

     المبحث الثاني: الحوار بين الأديان قديماً وحديثاً. وحوى:

أولاً: الحوار بين الأديان قديماً.

ثانياً: الحوار بين الأديان حديثاً.

المبحث الثالث: في المنهج الشرعي في الحوار بين الأديان.

ثم الخاتمة: وفيها أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث والتوصيات. وأتبعت ذلك بفهرس للمصادر المعتمدة في هذا البحث.

أسأل الله أن أكون قد وفقت. وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم.

 

لتحميل البحث اضغط هنا